Wednesday, March 5, 2008

نجيب سرور..عبقرية المأساة


من هو؟

محمد نجيب سرور محمد هجرس..شاعر ومؤلف وممثل ومخرج مسرحي مصري..ابن قرية (أخطاب) مركز أجا بمحافظة الدقهلية..أحد المثقفين والمبدعين الذين ذابوا عشقا في تراب مصر..ولكن للأسف لم يأخذ حقه من التقدير فلا يعرف الكثيرون الآن من هو نجيب سرور..ومن يعرفوه يتخذوا قصيدته المأسوية الشهيرة "الأميات" كنكتة لا أكثر رغم ما تحتويه من عبقرية شعرية.

حياة نجيب سرور كانت قصيرة لم تستمر أكثر من 46 سنة ولكنه قدم خلالها ما لم يستطع الكثيرون تقديمه في مئات السنين..كان عاصفة من الموهبة..كتب الشعر بالفصحى والعامية وله 9 دواوين أشهرها ديوانه العامي الممنوع من النشر وديوان "بروتوكولات حكماء ريش" اللى انتقد فيه مثقفي مصر..وألف أكثر من 15 مسرحية أشهرها "ياسين وبهية" و"منين أجيب ناس" وهي مسرحية كتبها في أسبوعين فقط أثناء احتجازه من قبل الحكومة بمستشفى الأمراض العقلية!!..بالإضافة لإخراجه 8 مسرحيات وقيامه ببطولة 4 مسرحيات أخرى وكتابته لعشرات المقالات والدراسات النقدية والأدبية اللى جعلته منه أحد أهم مثقفي ومبدعي مصر في فترة حياته القصيرة وحتى الآن.

طب ليه؟

لماذا الاحتفال والاحتفاء بنجيب سرور؟ ما البلد مليانة مبدعين!..سر تميز نجيب سرور أنه حالة فريدة ونادرة جدا من المبدعين..هو النموذج المثالي للفنان والمثقف الذي لا ينطق كلمة واحدة دون ايمان كامل بها لدرجة أن المؤرخين الأدبيين قالوا أن التطابق بين أقواله وأفكاره وأفعاله كان السبب الرئيسي في حياته الصعبة ونهايته المأسوية..نجيب عشق مصر ورفض أن يتنازل عن هذا العشق إلى أخر لحظة في عمره..جاع وتشرد وسجن واتهم بالجنون ووصل الأمر لوضعه في مستشفى الأمراض العقلية ولكنه ظل ثابتا على موقفه وايمانه بقضية الوطن..

مشاهد لا تنسى

حياة نجيب سرور بأكملها كانت أقرب لحكاية ساخرة أو مأساة إنسانية..ولكني اخترت مشهدين اعتبرتهم "مشاهد الذروة" في حكاية الشاعر المتمرد..

المشهد الأول..بعد خروجه من مستشفى الأمراض العقلية..كان مريضا بالسل ويحتاج للعلاج..ويعيش مع زوجته الروسية وولديه "شهدي وفريد" بدون مصدر دخل تقريبا..اتصل به أحد المسئولين الكبار في وزارة الإعلام وطلب مقابلته..نجيب قطع المسافة من منزله بميدان الجيزة إلى ماسبيرو مشيا ً ليوفر مصاريف المواصلات..يقابله المسئول ويطلب منه تأليف وإخراج 15 مسرحية للتلفزيون المصري مقابل خمسة آلاف جنيه للمسرحية الواحدة..بشرط أن تكون مسرحيات خفيفة موجهة لجمهور النفط..يعني شوية رقص وبنات حلوة وكام إفيه كوميدي..عرض مغري وواضح..75 ألف جنيه كافية لانتشال نجيب سرور من أزمته الصحية والمادية مقابل بيع القضية التي عاش من أجلها..نجيب رفض العرض بدون تفكير وعاد لمنزله مشيا على الأقدام من جديد..اختار أن يبيع العالم ويشتري نفسه.

المشهد الثاني..قبل وفاته بشهور وبعد انتصار أكتوبر..وجد البلد حوله تتحول لأقصى درجات الانحطاط الفكري والاجتماعي تحت مسمي (الانفتاح)..لم يتحمل أن يري البلد اللي بيذوب فيها عشقا بيحصل فيها كده..قدم مسرحية "اوكازيون" على مسرح وكالة الغوري وانتقد فيها الحكومة ولكنه شعر بان رسالته لم تصل للناس..شعر بأن خشبة المسرح لا تكفي لاحتواء موهبته الكاسحة وحبه الجارف لمصر فاتخذ أغرب قرار وأقدم على أكثر تصرفات حياته جنونا..فوجئ الناس به يقدم مشاهد مسرحيته في وسط ميدان التحرير..نجم وممثل شهير يقف في أكبر ميادين القاهرة حاملا ابنه الصغير وصائحا "ألا أونا..ألا تري..مين يشتري الورد مني؟"..مشهد مؤثر ومثير للشفقة والإعجاب في الوقت ذاته.. الإعجاب بفنان وهب حياته لوطنه والشفقة عليه مما وصل إليه بسبب تجاهل الوطن له.

قالوا عن نجيب سرور

"إن نجيب سرور ظاهرة إنسانية فريدة قلما تجود بها الأيام ، وسر هذا التفرد هو دقة التطابق بين ما يؤمن به من أفكار وما يسلكه من أفعال في عصر اتسم أصحابه بدرجات متفاوتة من الفصام بين بين ما يقولونه من أقوال وما يضمرونه من أفكار وما يسلكونه من أفعال."
عصام الدين أبو العلا – ناقد أدبي ومسرحي

"في الساعات الأولى من الخامس من يونيو 1967 حين تأكدنا من الهزيمة الساحقة ، عم الجنون الوادي وأصاب سكانه جميعا ، كل على قدر حاله ، وكلما كان صاحب النفس أكثر رهافة كلما أصابه نصيب أكبر من الجنون ، وقد كان نجيب سرور أكثر البشر الذين عرفتهم حساسية ورهافة، كما كان يحب مصر إلى حد الهوس كما لم أر في حياتي من أحب وعشق إلى هذا الحد."
عبده جبير – روائي وقاص مصري

"نجيب سرور..الشاعر والمخرج والمسرحي العظيم..أحد شهداء الكلمة في هذا الوطن العربي السعيد..الذي ظل يهيم على وجهه في شوارع القاهرة لا يجد سكنا ولا عملا..وحين مات لم يجد قبرا"
أحمد فؤاد نجم – شاعر مصري

"نجيب سرور عاقل رغم أنوفكم.. ولد عاقلا ً وموهوبا ً وعاش وجاد فنـا ً وأدبا ً وشعرا ً وقدرة خارقة على تحريض المظلومين عبر إبداعاته الفنية والأدبية وناضل من أجل مصر والمصريين والعرب ومن أجل الإنسانية عاقلا ً وعبقريا ً وصمد بتحد ٍ أمام أساليب التنكيل والإهانة في أقبيتكم وخارجها ومــات وهو عـاقل."
د.مفيد مسوح – قاص وناقد أدبي

"نجيب سرور فنان لم يدخر ضوءه, فاحترق سريعا كشهاب مرق في سمائنا, و لكنه ترك في نفسي , و في نفوس الكثيرين غيري , أثرا ساطعا لا ينسى.. لأنه أثر الموهبة المبدعة."
د.أبو بكر يوسف – طبيب وصديق نجيب سرور

1 comment:

Unknown said...

العزيز أحمد شوقي
أعرف أنها مقالة قديمة بعض الشيء ولكن مهما تجادلنا مع المنطق في هذا الشأن لانجد لنا حجة في أن نورد تصحيحا لخطأ قد ورد
ما أقصده هنا هو تنويهك عن الدكتور أبو بكر يوسف بأنه طبيب وهو ليس كذلك والحقيقة أن الدكتور أبو بكر يوسف مترجم وأستاذ للأدب الروسي
- اشتهر بترجماته لتشيكوف -
والاقتباس الذي أوردته هنا هو من مقالة رائعة له عن نجيب سرور بعنوان نجيب سرور مأساة العقل
وشكرا جزيلا لك