Monday, May 21, 2007

انا وعمي..والفارق كبير!!


كنت دوما من مناهضى التطرف والتشدد..واخذت عهدا على نفسى ان اظل مناصرا للحرية والتعقل فى كل الامور..لاتخاذ منهج الوسط وهو الاصح فى كل الامور..لمقاومة الفكر الوهابي الدخيل على مصر الثقافة والحضارة والفنون..فكر كراهية الاخر واعتبار الرأى المخالف اثما يستحق العقاب..ولدي دوما قناعة بان الاحق احق ان يتبع..وان المصريين وان انجرفوا وقتيا لثقافة البادية والتخلف الواردة من بلاد النفط الا ان التراث العظيم الذى يحمله هذا الشعب قادر على الحفاظ على هويتنا التى افخر بالانتماء اليها.


ومن منطلق هذا الفكر اردت ان احكى حوارا دار منذ عدة ايام بينى وبين عمي..عمي ضابط الشرطة الذي كانت علاقنه حتى وقت قريب بالاسلام لا تختلف كثيرا عن علاقتى بوكالة ناسا لعلوم الفضاء..اعرف اسمها ولا اعرف عنها شيئا..عمي الذى صار الان من رموز التطرف الفكري..عمي الذى تحول الى (درويش) يقضى اوقات عمله فى الصلاة وقراءة القران والكتب الدينية وفعل اى شئ بعيدا عن العمل المفترض اداءه فى هذه الاوقات اندهش واستنكر بشدة عندما وجدنى اقرأ كتاب (عن الدهشة والالم) وهو لمن لا يعلم مجموعة من 50 قصة قصيرة مختارة بعناية لاشهر القصاصين من انحاء الوطن العربي..كتاب محترم للغاية يحمل قدرا كبيرا من العذوبة والصدق ويكشف الكثير من تباين الافكار والاساليب من ثقافة لاخرى ومن كاتب لاخر..العجيب فى الامر انه لم يسأل من الاساس عن محتوى الكتاب..استنكاره كان للفكرة نفسها..كيف لانسان عاقل ان يقرأ كتاب ليس فى السنة او التفسير او ما شابه..وقال لى ان علي استغلال حبي للقراءة واستمتاعي بها في قراءة الكتب (المفيدة) وليس فى (تضييع) وقتى فيما (لا يفيد)..!!


للتوضيح فقط انا لست ضد القراءة فى الدين..على العكس انا من محبي القراءة بكل اشكالها وفروعها..وكثيرا ما قرأت كتبا دينية..ولطالما عشقت كتابات المفكر العظيم خالد محمد خالد..النموذج المثالى للكاتب الدينى المتفتح الذى يفخر بدينه وانتماءه ولكن يحترم الاخر ولا يهينه..وهذا هو الفارق بينى وبين عمى..الفارق بيننا وبين الوهابيين وابناء البادية..نحن يا عمي الفاضل نقرأ فى الدين ونعتز به..ولكننا نقرأ ايضا فى غيره..نقرأ فى السياسة والحب والعلوم والفلسفة والسينما والجنس والعلوم الاجتماعية..ولا نرى هذا عيبا ولا تضييعا لوقتنا..نعطي ديننا حقه ونبتغى الدار الاخرة..ولكن لاننسى نصيبنا من الدنيا..هذه الارض التى خلقنا الله كي نعمرها لا لكي ننساها ونعيش فى عالم من صناعتنا الشخصية ومن موديل 1000 سانة سابقة!!


لن تسقط قلعة الثقافة المصرية..ولن يتحول المصري كما يريد ويريدون الى بدائي يحارب ابناء وطنه ويحارب الفكر المخالف ويحارب كل من يتجرأ ويعارضه..سنحيا ونحيا..نحاول ونخطئ ونصيب..ونبقى دوما مدافعين عن حق هذا الوطن فى حياة افضل (ومواطنين افضل احيانا!!).

Sunday, May 13, 2007

Amelie Poulain..ليس هناك ما هو أروع !


بقلم احمد شوقي

ثلاث سنوات مرت على مشاهدتى الأولى للفيلم الفرنسي Le Fabuleux Destin d' Amelie Poulain وهو اول فيلم اقوم بتحميله بنفسي عن طريق الانترنت ويومها عرفت انني لم ولن أشاهد فيلما بمثل هذه الروعة..واليوم وبعد ان فرغت من مشاهدته للمرة الألف كان لابد وان اكتب قليلا عن هذه التحفة الفنية..عن الفيلم الوحيد القادر على تغيير حالتى المزاجية وجعل الحياة افضل واكثر بهجة.

هل فكرت يوما انك ان سعيت لاسعاد الاخرين فستجد من يسعدك؟ هل فكرت ان افضل ما يمكن ان تحصل عليه فى الحياة هو ابتسامة فرح على وجه شخص يستحق هذه الابتسامة؟ ايميلي فكرت بهذا..ايميلى احبت الحياة واسعدت الاخرين فكات لابد وان تكافأها الحياة بمقابلة من هو قادر على اسعادها..لاحظ ان ايميلى لم تفكر فى السعادة كما يراها معظم الناس..لم تمنح الاخرين اموالا او تمنح ملابسها القديمة للفقراء..ايميلى كان لديها افكارا افضل!

هل هناك ما هو افضل من مساعدة كفيف على عبور الطريق وانت تصف له كل ما حوله لتشعره انه يرى كل شئ؟ هل هناك ماهو افضل من منح رجل مسن صندوق العابه الذى فقده منذ اربعين سنة؟ هل هناك ما هو انبل من اقناع ارملة يائسة بان زوجها ندم قبل وفاته على تركه لها؟ هل هناك ما هو انبل من اطلاق شرارة الحب بين شخصين يعانيان من الوحدة؟ هل فكرت يوما فى معاقبة تاجر يسئ معاملة مرؤسيه بتغير اماكن الاشياء فى منزله وتغيير الارقام فى ذاكرة هاتفه؟

قد تبدو كلها امورا بسيطة وغير هامة..ولكن يجب ان تصدق انها بالفعل تجلب السعادة للاخرين..وان كنت مصرا على عدم التصديق..شاهد ايميلى لتقتنع..شاهد ايميلي لترى الدنيا أجمل..لتحب الناس وتسعى لاسعادهم..لتعطي الحياة حقها وهي بالفعل تستحق.


لا اريد ان اطيل ولكن يجب ان اتحدث عن اودرى تاتو Audrey Tautou هذه الحسناء الرقيقة..الطفلة التي تحمل اليك رائحة باريس..الفتاة متفجرة الموهبة والتى تحولت بفضل هذا الفيلم لتصبح الوجه الاشهر فى السينما الفرنسية..لا يمكن ان تشاهد هذا الفيلم ولا تعشق تاتو..كيف لا وانت ترى امامك تجسد كل القيم الرائعة..الحق..الخير..الجمال..حب الحياة..الصدق والبراءة..ترى كل هذا واكثر فى هذه الفرنسية الرائعة..مهما قلت لن اوفيها حقها وعليك ان تشاهد لتتأكد.
تحية اخيرة لجان بيير جونيه Jean-Pierre Jeunet مخرج الفيلم وكاتبه..الرجل الذى اختار ان يبقى دائما خارج السيطرة الهوليودية..اختار الفن الرقيق القريب للقلب وفضله عن ابهار هوليود وملايينها التى اختطفت قبله وبعده عشرات المبدعين الاوروبيين..فى كل اعمال جونيه تشعر بالاصالة..بروح المكان..فرنسا وطن الحرية والفن..
جونيه بلغ ذروته الفنية فى ايميلي..يمكنك ببساطة عند مشاهدة الفيلم ان تدرك انك امام مخرج عملاق..مخرج يهتم بادق التفاصيل ويراهن على غزو عقول وقلوب المشاهدين معا..بالاضافة بالطبع للابهار التقني..العديد من اللقطات غير المألوفة فى السينما الامريكية..اهتمام رائع بالصورة جعل كل لقطة من الفيلم صالحة لان تكون لوحة فنية تنبض بألوان الحياة..اختيار لشخصيات غير مألوفة ليكونوا ابطالا للعمل ومع انك لا ترى هؤلاء الاشخاص حولك ولكنك تتوحد معهم من شدة صدق ما ترى..
ايميلي هو تجربة رائعة لا يمكن ان يقدرها الا من عاشها..ساعتين من المتعة البصرية والنفسية والفكرية المتواصلة..فيلم قادر على جعل الحياة افضل..فيلم يدفع كل من يراه للندم على سجنه داخل السينما الامريكية واهماله لما هو اروع!

Friday, May 11, 2007

جيفارا..ولماذا كانت البداية؟


هذه الصفحة مهداه إلى صديقتى ورفيقتى واختى وحبيبتى..الى الفتاة الاكثر تفتحا فى كل من قابلت..الى من تسببت بعض الكلمات المغرضة فى تشكيكها فيما امنت به طوال عمرها..الى هبة واليكم اتحدث..


لطالما راودتنى فكرة انشاء مدونة شخصية..كانت دائما احدى خططى ولكن كعادة معظم الخطط تم تأجيلها مرارا ومرارا.. السبب الرئيسى بالطبع كان الكسل..عدوى الاكبر فى كل خطوات حياتي..السبب الاخر كان البحث عن بداية..الامر ليس سهلا ويعرفه تماما كل من بدأ بالتدوين..وخصوصا اذا كان عقله مزدحما بعشرات الافكار مثلى..اريد ان اكتب عن السياسة وعن الحياة فى وطنى..عن السينما والمزيكا..عن اصدقائى ومعتقداتى..الكثير من الافكار لدرجة تجعل البداية امرا عسيرا..


نقطة التحول كان الحال الذى رأيت عليه هبة..رفيقة دربي وتوأمي الفكري..رأيتها فى صورة مغايرة تماما لطبيعتها..حزينة مشتتة..كل هذا بسبب كتاب قرأته يزعم كاتبه انه يذكر حقيقة الرجل الذى طالما اتخدناه قدوة ومثلا اعلى..ارنستو تشى جيفارا..يزعم الكاتب ان جيفارا كان ارهابيا وقاتلا و و و و..اوصاف كثيرة كلها تندرج تحت بند الاساءة..فكان قرارى بان ابدأ الكتابة..ابدءها بنشر مقالتى عن سيرة جيفارا الذاتية ومن ثم مقالة اخرى عن علاقتنا بهذا الرمز والاسطورة.


لم يكن جيفارا مجرد رجل..لم يكن مجرد مقاتل او مجاهد او قائد لثورة او ما شابه..ولم نحب جيفارا ونتخذه مثلا لشجاعته او اقدامه او حتى لقيادته للثورة الكوبية..نحن اخترنا ان نعشق جيفارا الفكرة..جيفارا المبدأ..(المناضل المثال) كما وصفه احمد فؤاد نجم فى قصيدته الخالدة..الرجل الذى اختار ان يموت من اجل فكرة عظيمة فاخترنا ان نخلد ذكراه.


التضحية بشكل عام تصرف راقي..ومن يضحي بشئ يملكه من اجل مرجعيته هو شخص يستحق الاحترام..ولكن يمكن دوما فهم التضحية من اجل المرجعية الدينية والقومية..هناك الالاف من الابطال ممن ضحوا من اجل وطنهم او من اجل دينهم او من اجل اسرهم..وانا اعتدت ان احترم من يدافع عن ما ينتمى اليه حتى وان اختلفت معه فى الفكر..ولكن هل يمكن ان تتخيل رجلا يضحى بحياته من اجل (رد الظلم)..هل تتصور ان تترك بيتك وعملك واسرتك وتذهب لتنصر مظلوما فى احراش افريقيا..ان تدفع حياتك ثمنا لنصره اشخاص يختلفون عنك فى العرق والجنسية والديانة واللغة بل لا يتفقون معك فى اى شئ على الاطلاق؟!


هنا تكمن عبقرية جيفارا..وهنا يكمن سر عشقنا لجيفارا الفكرة..جيفارا الذى ترك كل شئ من اجل لا شئ..عفوا..ترك كل شئ من اجل الحرية..وهى كل شئ!


مهلا..لم ينته الامر بعد..هناك جانب اخر من عظمة التضحية لا يدركه البعض..منا الان من هو مستعد للتضحية بكل شئ من اجل تحسين وضع مصر..من اجل ما يرى حوله من فساد فى كل الاماكن وعلى كل الاصعدة..والفساد فى حد ذاته قوة دافعة لمن يملك روحا حية..لم لا يقدر ان يرى الظلم ويسكت عليه..ولكن تخيل معى هذا الموقف..قامت ثورة انت واصدقائك زعمائها..هدمت النظام الفاسد واقمت نظاما تراه هو الافضل (قد لا يكون كذلك ولكنك بالتأكيد تراه كذلك)..اصبحت الرجل الثانى فى الدولة..المتحدث الرسمى باسم الدولة..مدير البنك المركزى..وزير الصناعة..ورئيس الجهاز المسئول عن مطاردة بقايا النظام الفاسد..هل هناك افضل من ذلك؟ هل هناك حلم اكبر؟ لا اعتقد..ولكن جيفارا كان له رأى اخر..جيفارا الذى لو كان بقى فى كوبا لظل حتى يومنا هذا مالكا لكل سلطات الدولة (فهاهو رفيق دربه كاسترو لا يزال على قمة الهرم الكوبي) ولكنه اختار ان يضحى بكل هذا من اجل مناصرة المظلومين فى زائير..فكر ارقى من ان نستوعبه!!


ومن الطريف والمحزن ايضا ان جيفارا فشل فى مساعدة شعب زائير ورحل وقتها وهم لا يزالوا تحت الاحتلال..وان جيفارا مات منذ اعوام طوال وزائير الان تنعم باستقلالها بشكل كامل..يرى البعض هذا جانب من البلاهة او بمعنى اخر جانب من الفشل..فجيفارا مات دون ان يصل لشئ..مع احترامى هذا فكر قاصر..عظمة الامر فى ان تكون فاعلا..ان تطلق شرارة البدأ ليأتى الجميع من بعدك..ان تحرك المياة الخامدة وتكون سببا فى جعل العالم افضل..وهذا كله ينطبق على جيفارا بشكل غير مسبوق..


هذا هو فكري وفكر كل من يعشق الحرية..فكر من يعرف قيمة هذا الرمز..هذا هو جيفارا الزعيم الباقي فى نفوس محبيه..ولذا يا هبة ولكل من زعزع الوضع السائد ايمانهم بالحق والحرية والعدالة..لن تسقط الحرية طالما وجد من يدافع عنها ولن يموت جيفارا فى قلوب محبيه.


واختم الموضوع بقصيدة العظيم احمد فؤاد نجم فى تأبين التشي..قصيدة (صرخة جيفارا)


جيفارا مات

جيفارا مات

اخر خبر فى الراديوهات

وفى الكنايس

والجوامع

وفى الحواري

والشوارع

وع القهاوي وع البارات

جيفارا مات

واتمد حبل الدردشه والتعليقات

مات المناضل المثال

ياميت خسارة على الرجال

مات الجدع فوق مدفعة جوه الغابات

جسد نضالة بمصرعه ومن سكات

لا طبالين يفرقعواولا اعلانات

ما رايكم دام عزكم يا انتيكات

يا غرقانين فى المأكولات والملبوسات

يا دافيانين ومولعين الدفايات

يا محفلطين يا ملمعين ياجيمسنات

يا بتوع نضال اخر زمن فى العوامات

ما رايكم دام عزكم جيفارا مات

لاطنطنة ولا شنشنه ولا اعلامات واستعلامات

**

عينى عليه ساعه القضا من غير رفاقه تودعه

يطلع انينه للفضا يزعق ولا مين يسمعه

يمكن صرخ من الالم من لسعه النار ف الحشا

يمكن ضحك او ابتسم او ارتعش او انتشى

يمكن لفظ اخر نفس كلمه وادع

لجل الجياع

يمكن وصيه للى حاضنين القضيه

فى الصراع

صور كتيرملو الخيال

والف مليون احتمال

لكن اكيد اكيد اكيد ولاجدال

جيفارا مات موتة رجال

ياشغالين ومحرومين

يا مسلسلين رجلين وراس

خلاص خلاص

مالكوش خلاص

غير بالبنادق والرصاص

دا منطق العصر السعيد

عصر الزنوج والامريكان

الكلمه للنار والحديد

والعدل اخرس او جبان

صرخه جيفار يا عبيد

في اى موطن او مكان

مافيش بديل مافيش مناص

يا تجهزوا جيش الخلاص

يا تقولوا على العالم خلاص


تشى جيفارا..سيرة ذاتية



بقلم احمد شوقي

إرنستو تشي جيفارا دي لا سيرنا..المعروف بـ (تشي جيفارا) أو (التشي)..ولد فى 14 يونيو 1928 وتوفى فى 6 اكتوبر 1969 بقرية (لا هيجويرا) البوليفية..اشتهر بالصورة التى التقطها له المصور الكوبي الشهير (البيرتو كوردا) والتي اختيرت كأشهر صورة فى القرن العشرين.


البداية

ولد جيفارا فى 14 يونيو 1928 بروزاريو الارجنتينية وكان الابن الاكبر بين خمسة ابناء لأسرة ذات اصول اسبانية (باسكية) وايرلندية مشتركة..رغم هذا تزعم بعض المصادر أن التاريخ الحقيقى هو 14 مايو وأن تغيره كان بسبب فضيحة اخلاقية لوالدته حيث كانت حاملا بالشهر الثالث عند زواجها.تحكى المصادر ان جده الاكبر (باتريك لاينتش) ولد بمدينة جالواى الايرلندية عام 1715 وهاجر منها لبلباو الاسبانية ومنها للارجنتين وهذا ما يفسر الاصول المختلطة..جد جيفارا هو (فرانشسكو لاينتش) الذى ولد عام 1817 وجدته (أنا لاينتش) ولدت عام 1861..اما والده (إرنستو جيفارا لاينتش) فقد ولد عام 1900 وتزوج من والدته (سيليا دى لا سيرنا) عام 1927 وبعدها بعام جاء جيفارا للوجود.كانت أسرة جيفارا أسرة ثرية..عرف هو فيها بالنشاط والنزعة السياسية..ورغم اصابته المبكرة بالربو والذى ظل ملازما له طوال حياته إلا أنه برع فى الرياضة وخصوصا الرجبي وأطلق عليه وقتها Fuser وهى اختصار لكلمة El Furibundo Serna وكان سبب التسمية اسلوبه العنيف فى اللعب..فى عام 1948 التحق جيفارا بجامعة بيونس ايريس لدراسة الطب وتخرج عام 1953 ليصبح طبيبا..وان كانت بعض المصادر تزعم انه فشل فى دراسته وانه لا يوجد أى دليل مادي على حصوله على درجة علمية فى الطب.أثناء سنوات الجامعة أقترح عليه صديقة المقرب (البرتو جراندو) ان يتوقفا عن الدراسة لمدة عام ليقوما بالرحلة التى حلموا بها طويلا حول امريكا اللاتينية..وبالفعل نفذا الفكرة عام 1952 على متن دراجة بخارية طراز Norton 500 cc موديل 1939 عرفت بعدها الدراجة باسم La Poderosa II ومعناه (الفتاة العظيمة الثانية) وخلال الرحلة تطوعا لبضعة اسابيع للعمل بمستعمرة جذام ببيرو..وقد كتب جيفارا مذكراته خلال الرحلة تحت عنوان Diarios de Motocicleta (مذكرات دراجة بخارية) وقد ترجمت المذكرات عام 1996 وتحولت فى 2004 لفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم.كانت هذه الرحلة نقطة تحول هامة فى حياة جيفارا حيث عايش فيها الفقر والظلم المنتشر فى انحاء القارة اللاتينية وآمن بان الخلاص منهما لن يأت إلا بالثورة..كما شكلت هذه الفترة ايمانه بانعدام الفروق بين الشعوب وحلم بفكرة الوحدة الايبيرو - امريكية Ibero-America وتعنى وحدة الشعوب الامريكية التى كانت محتلة من قبل اسبانيا والبرتغال لتماثل الاحوال والطباع والثقافات..وهى الفكرة التى ستظهر بشدة فى مراحل عمره التالية.بعد أن عاد جيفارا من رحلته للارجنتين انهى دراسته الجامعية بأسرع شكل ممكن حتى يتسنى له مواصله رحلاته بين الدول التى ستستمر حتى نهاية حياته


جواتيمالا

بمجرد ان انهى جيفارا دراسته الجامعية عام 1953 توجه إلى جواتيمالا ليعمل تحت إمرة الرئيس (جاكوبو اربينز جوزمان) ونظامه اليساري الذي كان يحلم بتطوير جواتيمالا وإعادة استصلاح أراضيها وتنميتها اقتصاديا..وخلال تلك الفترة اكتسب جيفارا لقبه الاشهر تشي (Che) والتى يصعب ترجمتها للعربية فهى كلمة تطلق على المواطن الارجنتينى بشكل عام تماما كما يطلق على الجندي الانجليزي (جوني) والألماني (فريتز)..تعرف جيفارا على هيلدا جاديا السياسية الشهيرة واحدى اعضاء حزب APRA البيروفى التحررى وقدمته هى لكبار رجال الدولة فى جواتيمالا..تعرف ايضا على بعض المنشقين الكوبيين ومنهم انتونيو نيكو لوبيز ..وعلى دكتور بينالافير (اخصائي الملاريا الفنزويلي الشهير)..وكانت حالته المادية غير جيدة بهذه الفترة فاستعار بعض حلي هيلدا جاديا ليبيعها ويعيش بثمنها.وفى 15 مايو 1954 وصلت لسواحل السلفادور شحنة مكونة من 2000طن من الاسلحة قادمة من تشيكوسلوفاكيا لحساب حكومة اربينز فتوجه جيفارا للسلفادور لتسلم الشحنة وجلبها لجواتيمالا وخلال عودته على متن القطار بصحبة الشحنة قامت المليشيات المسلحة بقيادة كارلوس كاستللو ارماس بمعاونة المخابرات الامريكية بإسقاط نظام اربينز وتولي السلطة فى جواتيمالا فعاد جيفارا وانضم لميليشيا مسلحة بمشاركة بعض شباب الشيوعيين لمواجهة نظام ارماس فواجههم عسكريا لعدة ايام ثم تولى المهام الطبية حتى بلغه نبأ اعتقال هيلدا جاديا فقام باللجوء للسفارة الارجنتينية وبقى فيها محاولا التطوع فى جبهة اربينز حتى طلب الاخير من الاجانب العودة لبلادهم فغادر تشى جواتيمالا.شكلت هذه المرحلة صورة الولايات المتحدة فى ذهن جيفارا بأنها القوة الامبريالية الكاسحة التى تسعى بكل جهدها لإحباط اى نشاط تقدمي فى الدول النامية وخاصة الدول اللاتينية وجعله هذا يؤمن بأن الاشتراكية هى العلاج الوحيد لكل هذه المشاكل..وظل ثابتا على هذه القناعات حتى اخر ايامه.


كوبا


توجه جيفارا الى المكسيك وفيها قابل صديقه عمره فيدل كاسترو وشقيقه راؤل كاسترو ومعهم عدد من المنشقين الكوبيين الذين فروا من كوبا بعد فشل محاولة هجومهم على Moncada barracks كمحاولة للاطاحة بالديكتاتور باتيستا Fulgencio Batista وكانا يستعدان فى تلك الفترة للعودة لبلادهم وإعادة المحاولة من جديد..امن جيفارا بهدف الاخوين كاسترو وانضم إلي حركتهما التى اطلقوا عليها (حركة 26 يوليو) نسبة لتاريخ تنفيذ عملية Moncada barracks..وفى نوفمبر 1956 ابحر حوالى 82 شخص هم كل اعضاء الحركة (كان جيفارا الاجنبي الوحيد بينهم) نحو كوبا على متن اليخت Granma (الجدة) ووصلوا لسواحل كوبا فى 2 ديسمبر..ولم تكن البداية مبشرة على الاطلاق فقد استقبلتهم طائرات باتيستا بالنيران التى اجهزت على معظمهم فلم يتبق سوى 15-20 منهم على قيد الحياة (الرقم غير محدد تاريخيا)..وأثناء هروبهم وفى مزرعة قصب بـ (اليجريا دي بيو) كانت لحظة حاسمة فى حياة تشي حين تخلى عن صندوق المعونات الطبية الذى يحمله بصفته طبيب المجموعة ليحمل بدلا منه صندوق ذخيرة ليترك جيفارا الطبيب فى المزرعة من أجل جيفارا المقاتل..تسعة أيام متواصلة من المشي دون أى مصدر للطعام سارها الثوار بعدما هربوا من كمين باتيستا الى جبال سيرا مايسترا Sierra Maestra لتنطلق حركتهم الثورية معتمدين على 22 بندقية هي كل ما يملكون وإيمان كامل بقضيتهم وحب ومساندة الشعب الكوبي الذي وجد فيهم الخلاص من الطاغية..مع كل معركة تزيد ذخيرتهم ويزيد تعلق الناس بهم..استولوا على معسكر اوفيرتو الهام فى 1957 بعد معركة عنيفة..وردت قوات باتيستا بقوة فى لاس مرسيدس واستمر القتال مشتعل حتى بلغت خسائر باتيستا 10 الاف مقاتل و600 قطعة سلاح منها دبابة سليمة..خلال هذه المعارك يصبح جيفارا أحد أهم قواد الثوار Comandante كما يطلق عليهم..فى منتصف 1958 يعلن الحزب الشيوعي الكوبي تأييده للثوار فى ضربة قاسية لباتيستا ويتعاظم تفوق كاسترو ورفاقه حتى جاءت الضربة القاضية فى ديسمبر 1958 بمعركة سانتا كلارا Santa Clara التى اجهزت على نفوذ باتيستا ليهرب فى 1 يناير 1959 لجمهورية الدومينيكان تاركا الحكم لشباب الثوار الذين حققوا معجزة لم يتخيل أحد ان تحدث فى حوالي عامين..فيما بعد يكتب جيفارا عن حرب العصابات ويقول "اعتقد ان نواة صلبة تضم 30-50 رجلا إذا توافرت لهم الارض الصالحة للعمل تستطيع ان تبدأ ثورة مسلحة في أى بلد لاتيني".فى 7 فبراير 1959 تمنح الحكومة الكوبية الجنسية لجيفارا مكافأة لما قدمه للثورة..وفى 2 يونيو 1959 يتزوج من إليديا مارش التي ستنجب له فيما بعد 4 أبناء..ويتطور نفوذ جيفارا ليصبح الرجل الثاني فى كوبا فهو وزير الصناعة والمتحدث الرسمي ومدير البنك الوطنى (كان يوقع اوراق العملة باسم الشهرة Che) والمسئول عن كشف المتآمرين وعقاب بقايا نظام باتيستا..وكان له دور كبير فى تزويد كوبا بالرؤوس النووية السوفيتية الموجهة صوب مدن الولايات المتحدة والتي اثارت فيما بعد احد أهم مشاكل الحرب الباردة..فى خلال هذه الفترة ألف جيفارا عدة كتب عن نظريات الاشتراكية وأساليب حرب العصابات كان أهمها El socialismo y el hombre en Cuba (الرجل والاشتراكية فى كوبا) والذي بشر فيه بالإنسان الجديد Hombre Nuevo الساعي لرفض الظلم والقهر في أى مكان بالأرض دون التزام بوطن..وكأنه كان يحكي قصة حياته السابقة والآتية والتى كانت سلسلة من الصراعات ضد القهر والظلم كانت كلها (ويا للعجب) بعيدة عن وطنه الارجنتين.


الاختفاء

فى ديسمبر 1964 توجه جيفارا على رأس وفد كوبي الى نيويورك ليتحدث فى الامم المتحدة فأدهش العالم بزيه العسكرى ولحيته النامية والسيجار الذى قطعه نصفين على المنصة ليحتفظ بنصف ويدخن الاخر ثم يهاجم الولايات المتحدة بقوة وهو على أرضها.. بعدها يقوم بجولة عالمية استمرت ثلاثة اشهر زار فيها الصين ومصر والجزائر وغانا وغينيا ومالى وداهومى (بنين حاليا) والكونغو برازافيل وتنزانيا مع توقفات فى ايرلندا وباريس وبراج..وبتاريخ 24 فبراير 1965 فى الجزائر كان اخر ظهور لجيفارا على الساحة السياسية الدولية عندما ألقى خطاب فى (المؤتمر الاقتصادى الافرواسيوى الثانى) قال فيه "لا يوجد صفوف أمامية وخلفية عند مواجهة الموت..فلا نستطيع ان نقول اننا نختلف عن أى مكان فى العالم..أى انتصار لدولة على الامبريالية هو انتصار لنا كما ان اى هزيمة هى هزيمة لنا" وأدهش الجميع بقوله "على الدول الاشتراكية واجب اخلاقى فى ان توحد جهودها ضد دول الغرب المستغلة".ثم عاد لكوبا فى 14 مارس ليلقى استقبالا رسميا من كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الاخوان فيدل وراؤول كاسترو..وتعود الامور لطبيعتها لمدة بسيطة حتى يصحو العالم فى ابريل 1965 على مفاجأة هى اختفاء جيفارا من كوبا تماما دون ان يعرف احد مكانه وهو أمر بمنتهى الغرابة قياسا لكونه الرجل الثانى فى الحكومة..بدأ الجميع فى محاولة فهم سبب هذا الاختفاء البعض قال ان السبب هو فشل جيفارا فى تحقيق البرنامج الصناعى الذى وضعه..والبعض فسره بضغوط سوفيتية على كاسترو لعزله بسبب التقارب الشديد الذى اظهره للصين على حساب روسيا فى وقت كانت العلاقات متوترة للغاية بين البلدين..والبعض الاخر زعم ان كاسترو خاف من نفوذ جيفارا وشعبيته المتزايدين على مقعد الرئاسة
فأطاح به من كوبا..
والحقيقة ان التفسير الثانى كان الاقرب للصحة وقتها حيث كان اقتصاد كوبا يعتمد بشكل شبه كامل على الاتحاد السوفيتى بينما كان جيفارا العدو الاول لهم فى كوبا بعدما قاموا بسحب الرؤوس النووية دون مشاورة كاسترو وهو الامر الذى اعتبره تشي اكبر دليل على خيانة روسيا وسعيها نحو مصالحها بغض النظر عن مصالح كوبا..فى نفس الوقت تبنى تجربة الصين الاقتصادية وسعى لتطبيقها فى كوبا وكان من اكبر الدعاة لمبادئ الزعيم (ماو تسى تونج)..واستجابة للضغوط العالمية لمعرفة مكان جيفارا اعلن كاسترو فى مؤتمر بتاريخ 16 يونيو 1965 ان العالم سيعرف مكان جيفارا عندما يرغب جيفارا نفسه فى ذلك..واستمر الحال حتى 3 اكتوبر عندما اظهر كاسترو خطابا غير مؤرخ من جيفارا جاء فيه "فيدل..استأذنك فى الرحيل واستأذن الرفاق واستأذن شعبك الذى صار شعبى..وأقول لكم جميعا: وداعا" وقال "اتنازل عن موقعي فى الحزب والوزارة وعن كل المناصب الرسمية والجنسية الكوبية حتى لا تسبب افعالى حرجا لكوبا..وكل ما يربطنى الان بكوبا هى روابط لا يمكن للرسميات ان تكسرها" وأيضا "بلاد اخرى تحتاج مجهودى البسيط وأتوجه لأقاتل من جديد فى ميادين المعارك من اجل الحرية".وفى نوفمبر 1965 وأثناء حوار مع بعض المراسلين الاجانب سألوا كاسترو اذا كان جيفارا حيا او ميتا..فرد كاسترو "بالطبع هو حي وبافضل حالة ممكنة" نافيا ما تردد حول تخلصه منه ومع كل ما سبق بقى مكانه غير معروف حتى اراد هو فظهر مجددا فى مكان لا يتوقعه احد اطلاقا.

فى قلب افريقيا


الكونغو كينشاسا!! اخر مكان يتخيل احد ان يتواجد فيه مقاتل لاتينى..ولكن المقاتل لم يكن رجلا عاديا..كان تشي جيفارا..اختار تشي ان يساعد الكونغو كينشاسا التى صارت فيما بعد زائير ثم الكونغو الديمقراطية..البلد التى كانت تعانى وقتها من استبداد الشركات البلجيكية وامتصاصها لكل موارد البلد فى مرحلة (ما بعد الاستقلال) وتضرب بعنف كل من يقف امام مصالحها وعلى راس القائمة رئيس الوزراء الشاب باتريس لومومبا الذى تم ربطه بحبل فى سيارة ثم اعدامه فقط لأنه طالب بتأميم موارد اليورانيوم التى تجلب الملايين..ووسط هذا الظلم اختار جيفارا ان يذهب ليساند هذه البلد الواعدة..ذهب جيفارا ومعه عدد من الكوبيين والمرتزقة البيض وبمساندة بعض افراد الجيش الكونغولى منهم (لاورين ديزيريه كابيلا) الذى سيصبح فيما بعد رئيسا للكونغو..والطريف ان جيفارا صرفه من مصاحبته لعدم اقتناعه بأهميته وقال فى مذكراته عنه "لم يفعل شىء يجعلنى اعتقد انه رجل الساعة".ولكن تأتى الرياح دوما بما لا تشتهى السفن..فتكاتف على جيفارا ثلاثة عوامل كانت كافة لإحباط محاولاته..اولها الربو الذى اشتد عليه فى الجو الافريقى وجعله فى اوقات كثيرة غير قادر على القتال..ثانيها المخابرات المركزية الامريكية CIA التى تعاونت مع بلجيكا لرصد تحركاته بشكل دائم وإحباطها..وأخرها وهو الاهم لون بشرته الابيض الذى لم يمكنه من اكتساب ثقة وحب الافارقة كما فعل فى كوبا..ففى كوبا شعر الناس انه شخص منهم مهموم بقضاياهم اما فى الكونغو وبرغم انه كان بالفعل مؤمنا بالقضية الا ان اختلاف الجنس جعله يظهر للمواطنين بصورة المرتزق او (طرزان) الذى جاء ليحرر الزنوج من العبودية..يمكننا القول باختصار ان محاولة جيفارا فى الكونغو قد منيت بالفشل..طالبه زملائه بالمغادرة فطلب من الجرحى والمنسحبين العودة بينما يبقى هو للمواصلة الا انهم اصروا وأقنعوه باستحالة النجاح وبضرورة المغادرة..توقع الجميع عودة جيفارا لكوبا ولكنه رفض لسبب بسيط هو انه (من غير اللائق اخلاقيا) ان يعود بعد الخطاب الذى تركه قبل اختفاءه..فعاش لستة اشهر متنقلا بين دار السلام وبراج وألمانيا الشرقية كتب خلالها مسودتي كتابين احديهما فى الفلسفة والآخر فى الاقتصاد ..وبعد ضغوط مستمرة من كاسترو وافق على العودة لكوبا بشرط ان تكون العودة مؤقتة ليستجمع انفاسه قبل التوجه للقتال فى مكان جديد..وان يكون الامر محاطا بالسرية التامة وهو ما كان.


بوليفيا


خلال عامى 1966 و 1967 استمرت ااصحافة العالمية فى التساؤل عن مكان جيفارا..وكثرت التكهنات عن وجوده فى عدة دول..منها جبهة موزمبيق التحررية FRELIMO التى اعلن مسئوليها انهم التقوا بجيفارا فى اواخر 1966 فى دار السلام فى لقاء عرض فيه مشاركاتهم فى الحركة التحررية ولكنهم (حسب زعمهم) رفضوا عرضه..وفى مايو 1967 وخلال رالى هافانا اعلن الماجور خوان الميدا Juan Almeida قائد القوات المسلحة الكوبية ان جيفارا "يخدم الثورة والتحرر فى مكان ما بامريكا اللاتينية"فيما بعد عرف الجميع ان جيفارا قام بمساعدة العميل السوفيتى الشهير (تانيا) Haydee Tamara Bunke Bider-Tania بشراء قطعة من الادغال الكوبية وتحويلها الى معسكر لتدريب الثوار البوليفيين guerrillas للقيام بحركة تهدف لتخليص بوليفيا من حكم الجنرال رينيه بارينتوس Rene Barrientos الذى ارعبه وجود تشي فى بوليفيا فامر باحضار رأس جيفارا على دراجة تطوف شوارع العاصمة لا باز..وفى 1967 بدأ الثوار البوليفين (وعددهم حوالى 50) عملهم تحت قيادة جيفارا واطلقوا على انفسهم (جيش التحرير القومي البوليفى) Ejercito de Liberacion Nacional de Bolivia وقاموا بعدة عمليات ناجحة فى منطقة جبال كاميرى mountainous Camiri والمميز فى هذه المرحلة هو محاولة جيفارا لاكتساب تأييد الشعب البوليفي بقيامه بعلاج الجنود الذين وقعوا فى الاسر من اعضاء الجيش الحكومي..حتى فى معركة Quebrada del Yuro والتى اصيب فيها بشدة تحامل على نفسه وعرض المساعدة الطبية على الجنود الاسرى..وعلى عكس البداية السعيدة بدأت خطة جيفارا لتحرير بوليفيا فى الفشل تدريجيا لثلاثة عوامل اولها انه افترض انه سيواجه الجيش الحكومي البوليفي ضعيف التدريب والامكانات فقط ولكن الحقيقة ان خوف الولايات المتحدة من المد الشيوعي في امريكا اللاتينية دفعها لامداد الحكومة البوليفية بكم كبير من السلاح بالاضافة الى تدريب الجيوش الحكومية على يد مدربين امريكيين فى معسكرات اعدت خصيصا لهذا الغرض..الخطأ الثاني الذي وقع فيه تشي انه افترض مسانده الجهات الاهلية البوليفية لحركته بينما خذله الحزب الشيوعي البوليفي على ارض الواقع بعدما رفض تأييد حركته (فقد كان الحزب وقائده ماريو مونجي Mario Monje متعاطفا مع الشيوعية السوفيتية على حساب الشيوعية الكوبية)..وعلى الرغم من انشقاق خمسة من اكبر قادة الحزب عن رئيسه واعلانهم الانضمام الى جيفارا..الان ان الموقف الرسمى للحزب ظل معارضا لجيش التحرير..العامل الثالث هو اعتماد جيفارا بشكل كبير على انه سيظل على اتصال بهافانا عن طريق اللاسلكي الذى اتي به خصيصا من كوبا..الا ان فشل رسائل الطرفين فى الوصول لاهدافها جعل جيفارا ورجاله محاصرين داخل بوليفيا في مواجهة الحكومة والاحزاب وورائهم الولايات المتحدة.على الجانب الاخر كلف الجنرال بارينتوس احدى فرق الجيش البوليفي باصطياد جيفارا..فرقة مكونة من 1500 جندى مزودين باحدث الاسلحة ومساندين من قبل المخابرات المركزية الامريكية من اجل القبض على رجل واحد..اخذت الفرقة تضيق الحصار على الثوار بينما يواصل جيفارا كفاحه من اجل الحرية..حتى جاءت الطعنة الغادرة..الخيانة التى اودت بحياة الثائر العظيم..ففى اواخر سبتمبر 1967 قام احد رجال جيفارا ويدعى (رودريجيز) بتسليم نفسه للجيش وعرض ان يدلهم على مكان التشي مقابل الابقاء على حياته..وبالفعل دلهم على مكان الثوار فى قرية (لا هيجورا) La Higuera ..ليتوجه 184 رجلا من رجال بارينتوس ويطبقوا الحصار على جيفارا ومعه 17 من رجاله داخل غابة سيرانو..ورغم التفوق العددى الكاسح لرجال الحكومة الا ان جيفارا ورجاله الاحرار استطاعوا الصمود لاسبوعين كاملين فى ظروف اقل ما يقال عنها انها قاتلة..ولأن الكثرة تغلب الشجاعة..وبسبب الارهاق الشديد والنقص المروع فى المؤن والعتاد..وبعدما اصيب جيفارا اصابات بالغة فى فخديه..تمكن اربعة من رجال الحكومة مساء يوم 8 اكتوبر من تطويقه والقاء القبض عليه فصاح فيهم "لا تطلقوا النار..انا تشي جيفارا..واساوي حيا اكثر مما اساوي ميتا".

النهاية

اقتاد رجال الحكومة جيفارا الى مدرسة بقرية لا هيجورا ليتحفظوا عليه داخل اسوارها..وبات جيفارا ليلته الاخيرة فيها ملقي على الارض مقيد الايدى خلف ظهره..الرجل الذى كان بامكانه ان يعيش فى قصور كوبا حتى اخر لحظات حياته قضي ليلته الاخيرة مقيدا!!المتعارف عليه دوليا فى مثل هذه الظروف ان يتم اقتياد الاسير الى العاصمة لتتم محاكمته..ولكن الاوامر الامريكية كانت واضحة..جيفارا يجب ان يموت..حتى لا يتحدث فى المحاكمة ويتحول الى بطل شعبي..ويتقدم للمهمة الحقيرة الرقيب ماريو تيران Mario Teran.. يتقدم ممسكا مسدسه ليلقاه جيفارا قائلا "انا اعلم انك هنا لقتلي..انتظر حتى اقف على قدمي..اطلق النار فانك فقط تقتل رجلا".معنى كلمات جيفارا الاخيرة كان واضحا..رسالة موجهة للجميع..بامكان الطغيان ان يقتل رجلا..ولكنه لا يستطيع ان يتغلب على الشعوب المطالبة بحريتها.. لكن تيران لم يفقه المعنى واطلق رصاصاته لتخترق صدر الرجل العظيم منهية حياة قصيرة..لكنها ثرية باعمال قد يحتاج الانسان لقرون كى يفعلها..يحمل رجال الحكومة جثة جيفارا الى مدينة فالي جراند Vallegrande ويقوموا بوضعها فى مستشفى المدينة ويعرضوها للصحافة لالتقاط الصور..الصور التى دخلت تاريخ العالم للشاب الوسيم الذى يحمل وجهه شبح ابتسامة ويبدو وكأنه على وشك الاستيقاظ من نوم مريح..فيما بعد قالوا "كان اكبر خطأ وقع فيه قاتلوه انهم سمحوا بالتقاط الصور له..لقد بدا للعالم كله قريب الشبه من صور المسيح"وبالفعل انتشر بين الاهالى حكاية (مسيح فالى جراند El Cristo de Vallegrande) ويردد الشباب شعار No Lo Vamos a Olvidar (ان نترك ذكراه تنسى)..قطعوا يديه واحتفظوا بهما فى الفورمالين من اجل مطابقة البصمات ثم دفنوا الجثة فى مكان حقير واعلنوا انهم قاموا باحراقها حتى لا يطالب بها اهله او الحكومة الكوبية..اما فيدل كاسترو فقد اعلن الحداد الرسمى لثلاثة ايام حزنا على رفيق كفاحه..بعد ذلك بـ 30 سنة وتحديدا عام 1997 يتم استخراج بقايا الجثة..ويتم تحليل الحامض النووى DNA الخاص بها للتاكد من انها الجثة الحقيقية..ثم تنقل رفاته الى كوبا ومعها رفات ستة من رجاله الى كوبا لتقام لهم جنازة عسكرية مهيبة وتدفن رفاتهم فى نصب تذكارى عملاق يتصدره تمثال جيفارا فى المكان الذى شهد نجاحه الاعظم..فى سانتا كلارا.